نشأة وتطور الخدمات المصرفية

32
1
1

شهدت الخدمات المصرفية تأثراً كبيراً بتطور مفهوم التسويق على مر العصور، ويمكن في هذا الصدد تقسيم مراحل تطور الخدمات المصرفية إلى ما يلي:

 

1) الخدمات المصرفية في مرحلة ما قبل التصنيع:

في هذه المرحلة كان الأفراد يعتمدون على الزراعة والصيد لتلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم. وقد تضمنت هذه المرحلة على:

  •      الاكتفاء الذاتي: أي أن الأسر كانت تنتج ما تحتاجه من سلع وخدمات بشكل ذاتي. وفي هذه المرحلة لم يكن هناك أي نشاط تسويقي أو مالي أو مصرفي.

  •     المقايضة: في هذه المرحلة اتجهت بعض الأسر للتخصص في إنتاج سلعة أو خدمة معينة وبكميات تفوق احتياجاتها، وفي المقابل قامت تلك الأسر بتبادل الإنتاج الفائض لديها مع الأسر الأخرى التي لديها فائض من سلعة أو خدمة أخرى، وهو ما أدى لظهور مفهوم المقايضة. ولم يكن في هذه المرحلة أي ظهور للخدمات المصرفية. 

  •     ظهور النقود: ظهر في هذه المرحلة مفهوم النقود باعتبارها وسيط مقبول للتبادل لتحل مكان نظام المقايضة الذي كان سائداً في المرحلة السابقة. حيث أن تطور وسائل الإنتاج وزيادة التخصص في الإنتاج مع تعدد السلع والخدمات المنتجة وازدياد كمياتها وعدم تكافؤها، أظهرت الحاجة لوجود وسيط مقبول يصلح لتبادل السلع والخدمات ويحظى بقبول عام بين الناس، ومن هنا جاءت فكرة استخدام النقود كوسيط للتبادل مما شكل تحولاً تجاه نظام مالي نقدي.

  •     تكون الفوائض النقدية والإيداع: بعد ظهور النقود وانتشارها، بدأت الثروات بالظهور لدى الأفراد والأسر وأصبحت تتراكم لديهم، وهذا ولد لديهم خوف من أن تتعرض موجوداتهم المالية للسرقة أو الضياع لذا قاموا بإيداعها في المعابد. وفي هذه المرحلة بدأت فكرة البنوك بالتبلور وظهرت أولى الخدمات المصرفية المتمثلة بخدمة الإيداع بشكلها البسيط.

  •      القروض: في هذه المرحلة أصبح هناك توجهاً لإيداع الثروات لدى صائغي الذهب، الأمر الذي أدى لتراكم الأموال لدى الصاغة. وقد لجأ الصاغة إلى استغلال الأرصدة الكبيرة التي تتوفر لديهم ليقوموا بإقراضها لفترات قصيرة الأجل مقابل أرباح معينة (فوائد). ويلاحظ في هذه المرحلة ظهور خدمة مصرفية جديدة تتمثل في القروض مقابل فائدة، إضافة لخدمة الإيداع. 

  •      ظهور البنوك: في هذه المرحلة تطورت أعمال الصاغة وتراكمت لديهم الودائع بشكل كبير، وأخذوا يبرعون في منح القروض وتحصيلها مع الفوائد، لذا قاموا بالتنسيق فيما بينهم لإنشاء البنوك وإصدار أوراق البنكنوت لإجراء عملية المقايضة.

 

2) الخدمات المصرفية في مرحلة التصنيع:

نتيجة للثورة الصناعية وما أعقبها من تحسن وسائل الإنتاج، ازداد الاستثمار في المشاريع الصناعية وتزايد إنتاج السلع والخدمات وأصبح هناك تراكم لرؤوس الأموال والثروات. ونتيجةً لذلك ازدادت الودائع وزادت إمكانية منح القروض وتمويل الاستثمارات، وهذا بدوره تطلب وجود بنوك منظمة ومتخصصة تكون على هيئة مؤسسات لها تنظيم إداري وتتمتع بالخبرة والكفاءة، وبحيث تكون مؤهلة للتعامل مع الأرصدة المالية الكبيرة.

 

3) الخدمات المصرفية في مرحلة التقدم الصناعي: 

شهدت هذه المرحلة تعاظم استخدام التكنولوجيا المتطورة في تقديم الخدمات البنكية، وازدادت حدة المنافسة بين المؤسسات المصرفية لتنعكس على الخدمات المصرفية المقدمة كماً ونوعاً. وأصبحت الخدمات المصرفية تقدم على نطاق أوسع للأفراد إضافةً للشركات والمشاريع الكبرى وأصحاب الثروات. وأصبح هناك تنوعاً كبيراً في الخدمات المصرفية المقدمة من قبل البنوك لتشمل إضافةً لقبول الودائع ومنح القروض، فتح الحسابات وتحويل الرواتب، والشيكات المصرفية وغيرها. 

 

4) الخدمات المصرفية في مرحلة ما بعد التقدم الصناعي: 

في هذه المرحلة تطورت الخدمات المصرفية بشكل كبير وازداد عدد الخدمات المصرفية التي تقدمها البنوك لتشمل مجموعة واسعة من الخدمات الجديدة إضافة لإدخال تطويرات مهمة على الخدمات المصرفية القديمة. وقد جاءت هذه التطورات كمحصلة لمجموعة من العوامل أهمها:

  •      ازدياد الطلب على الخدمات المصرفية بمختلف أنواعها من قبل الأفراد والشركات والحكومات. 

  •     زيادة عدد البنوك مع ارتفاع حدة المنافسة فيما بينها، الأمر الذي دفع البنوك للتميز من خلال تحسين جودة خدماتها وزيادة رضا العميل وتطوير الخدمات المصرفية الجديدة.

  •      زيادة الانتشار الجغرافي للبنوك من خلال شبكات الفروع والمكاتب وأجهزة الصراف الآلي وغيرها، وحرص البنوك على تأسيس فروع لها في دول أخرى. 

  •     أتمتة جميع أعمال المصرف لتتم من خلال الحاسب الآلي، الأمر الذي أدى لتقليل وقت تقديم الخدمة المصرفية وتسريعها وبالتالي قدرة البنوك على التعامل مع عدد أكبر من العملاء وبعدد أقل من الكوادر البشرية. 

  •      ظهور وانتشار أجهزة الصراف الآلي وهو ما أدى لتوفير الخدمات المصرفية على مدار 24 ساعة في اليوم وسهل من وصول العملاء لتلك الخدمات.

 

5) الخدمات المصرفية في العصر الحديث: 

في العصر الحديث، شهدت الخدمات المصرفية تحولات كبيرة نتيجة للتكنولوجيا والابتكارات الرقمية، مما جعلها أكثر سهولة وتنوعاً وزادت من إمكانية وصولها للعملاء. وتم تبني التكنولوجيا الحديثة في مختلف نواحي أعمال البنوك وذلك من خلال إدخال وسائل جديدة مثل الخدمات المصرفية عبر الانترنت والخدمات المصرفية عبر الهاتف، وظهور البنوك الرقمية، وغيرها. ومن الجوانب الرئيسية للخدمات المصرفية في العصر الحديث: 

  •     الخدمات المصرفية عبر الإنترنت: يمكن للعملاء الوصول إلى حساباتهم المصرفية وإجراء المعاملات بسهولة عبر الإنترنت من خلال مواقع البنوك على الويب. يمكنهم فتح حسابات جديدة، وتحويل الأموال، ودفع الفواتير، ومراقبة أنشطتهم المصرفية بسهولة وأمان.

  •     الخدمات المصرفية عبر الهواتف المحمولة (التطبيقات البنكية): توفر تطبيقات البنوك المحمولة تجربة مصرفية مريحة ومتنقلة. يمكن للعملاء تنزيل تطبيقات البنوك على هواتفهم الذكية والقيام بالعديد من العمليات المصرفية مثل التحويلات المالية، ومراقبة الرصيد، والتحكم في بطاقاتهم المصرفية، وتنفيذ خدمات الدفع الالكتروني وغيرها. 

  •     الدفع الإلكتروني: زادت خدمات الدفع الإلكتروني في الأهمية، حيث يمكن للأفراد والشركات دفع الفواتير والمشتريات عبر الإنترنت باستخدام بطاقات الائتمان والخصم أو الحسابات المصرفية مباشرة. 

  •     التحسينات في أمان المعاملات: تطورت التكنولوجيا لتعزيز أمان المعاملات المصرفية. حيث يتم استخدام تقنيات متطورة مثل التشفير والمصادقة الثنائية لحماية الحسابات المصرفية والمعلومات الشخصية للعملاء. 

  •     التحويلات الدولية والتجارة الإلكترونية: تسهل الخدمات المصرفية الحديثة التحويلات الدولية بسهولة وبتكلفة منخفضة، مما يدعم التجارة العالمية والأعمال الدولية. كما توفر البنوك والشركات خدمات تمكين التجارة الإلكترونية من خلال معالجة المدفوعات عبر الإنترنت.

  •     إدارة الثروات والاستثمار: تقدم البنوك والمؤسسات المالية خدمات إدارة الثروات والاستثمار للأفراد والشركات، حيث يمكن للمستثمرين الاستفادة من الاستشارات المالية والاستثمار في مجموعة متنوعة من المنتجات المالية.

  •     ظهور وانتشار البنوك الرقمية: البنوك الرقمية هي عبارة عن مؤسسات مصرفية تقدم خدماتها بشكل أساسي عبر الإنترنت والوسائل الرقمية، دون الحاجة إلى وجود فروع أو مكاتب مصرفية تقليدية. وتعتمد البنوك الرقمية على التكنولوجيا الحديثة مثل التشفير والذكاء الصناعي لتحسين الأمان وتقديم خدمات متقدمة مثل تحليل البيانات المالية وإدارة المحفظة. كما تقدم البنوك الرقمية خدمات دعم العملاء عبر الإنترنت والهاتف. وتمثل البنوك الرقمية تطوراُ كبيراً في صناعة الخدمات المصرفية وتقدم حلولاً مالية مرنة وسهلة الوصول للعملاء. 

  •     البنوك المفتوحة (Open Banking): وهي مفهوم مالي يهدف إلى تحسين وتسهيل تبادل البيانات والخدمات المالية بين مقدمي خدمات مالية مختلفين من خلال استخدام واجهات برمجة التطبيقات (APIs). وهذا المفهوم يسمح للعملاء بمشاركة بياناتهم المالية واستخدام خدمات مصرفية متعددة من خلال تطبيقات وخدمات مختلفة.

  •     استخدام الذكاء الاصطناعي في البنوك: الذكاء الاصطناعي في البنوك هو مجال حيوي يساعد في تحسين خدمات العملاء وكفاءة العمليات، ويمكن من تحليل كميات ضخمة من البيانات المالية بسرعة ودقة. وتعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي على تقديم توصيات للاستثمار، وتحليل الائتمان، وكشف عمليات الاحتيال المالي، وتحسين إجراءات التدقيق الداخلي. كما يساعد الذكاء الاصطناعي البنوك في توفير خدمات مصرفية شخصية أفضل من خلال تقديم مشورة مالية مبنية على البيانات الشخصية للعملاء.

 

نشأة وتطور الخدمات المصرفية
مواضيع ذات صلة