التخطيط المالي: كيف تحدد مستقبلك المالي بخطوات بسيطة؟
عملية التخطيط المالي تهدف إلى مساعدتك على معرفة مكانك الحالي، تحديد أهدافك المستقبلية، ثم وضع خطة واقعية لتحقيق تلك الأهداف.
ويعتمد التخطيط المالي على العديد من الخطوات التي تشمل تحديد الأهداف، وتقييم الوضع الحالي، وتحديد وتقييم الخيارات المتاحة، والاختيار. كل هذه الخطوات تسهم في وضع خطة مالية مرنة قابلة للتكيف مع الظروف المتغيرة.
1- تحديد الأهداف
أول خطوة في التخطيط المالي هي تحديد الأهداف التي ترغب في تحقيقها. مهما كانت أهدافك، فإن الحياة معقدة ومحفوفة بالمخاطر، ووجود خطة وطريقة للوصول إلى أهدافك يزيد من احتمالات القيام بذلك. وتنقسم الأهداف إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
- أهداف قصيرة الأجل (من سنة إلى سنتين)
- أهداف متوسطة الأجل (من سنتين إلى عشر سنوات).
- أهداف طويلة الأجل (أكثر من عشر سنوات).
ولكي تكون الأهداف مفيدة حقاً، يجب أن تكون واضحة وقابلة للقياس، وهو ما يُعرف باسم (SMART)، والتي تعني أن الأهداف يجب أن تكون محددة (Specific)، وقابلة للقياس (Measurable)، وقابلة للتحقيق (Achievable)، وواقعية (Realistic)، ومحددة بوقت (Time-bound).
على سبيل المثال، قد تكون أهدافك بعد التخرج من الجامعة كسب دخل يكفي لسداد قرض الدراسة وتغطية نفقات المعيشة. في العقد القادم، قد ترغب في شراء منزل أو الادخار لتعليم أطفالك. وفي مرحلة لاحقة، قد تطمح إلى التقاعد المبكر والسفر حول العالم. لذا، يساهم تحديد الأهداف الواضحة في توجيه التخطيط المالي نحو تحقيق هذه الطموحات.
2- تقييم الوضع الحالي
بعد تحديد الأهداف، الخطوة التالية هي تقييم وضعك المالي الحالي. يشمل هذا معرفة ما تمتلكه من أصول وما عليك من ديون، وكذلك تحديد دخلك ونفقاتك. سيظهر ذلك ما إذا كان بإمكانك توقع فائض أو عجز في الميزانية، ولكن الأهم من ذلك، سيظهر مدى إمكانية تحقيق أهدافك وما إذا كنت تحرز تقدماً نحوها. يُعبّر عن هذه المعلومات من خلال قوائم مالية مثل قائمة الميزانية الشخصية وقائمة الدخل والنفقات.
لنفترض أن عامر شاب تخرج حديثاً من الجامعة، وحالياً يعمل في شركة، ولديه سيارة بقيمة 6000 دينار وحساب توفير يحتوي على 500 دينار. بينما عليه ديون تتضمن قرض سيارة بقيمة 1,700 دينار، وقرض من أخيه بقيمة 1800 دينار. دخل عامر السنوي هو 5400 دينار، بينما ينفق 1800 دينار على الإيجار، و1800 دينار على نفقات المعيشة. مدفوعات قروضه السنوية تبلغ 900 دينار لقرض السيارة، فيما يقوم بسداد أخيه 600 ينار.
بناءً على المعلومات السابقة يمكننا اعداد قائمة الميزانية الشخصية وقائمة الدخل والنفقات لعامر كما يلي:
قائمة الميزانية الشخصية لعامر:
الأصول | الديون | ||
سيارة | 6000 | قرض سيارة | 1700 |
حساب توفير | 500 | قرض أخيه | 1800 |
المجموع | 6500 | المجموع | 3500 |
قائمة الدخل والنفقات لعامر:
الدخل السنوي | 5400 |
الايجار السنوي | 1800 |
نفقات المعيشة السنوية | 1800 |
سداد قرض السيارة | 900 |
سداد قرض أخيه | 600 |
المتبقي من الدخل للادخار | 300 |
من خلال هذا التقييم، يتبين أن عامر يحقق تقدماً نحو سداد ديونه. وبالرغم من أن لديه فائضاً في صافي دخله السنوي يبلغ 300 دينار سنوياً، ولكن من الصعب عليه تحقيق أهدافه الأخرى مثل شراء منزل. وللوصول إلى هذا الهدف، سيتعين على عامر زيادة دخله أو تقليل نفقاته لتوفير المزيد من الفائض السنوي. عندما يتم سداد قرض سيارته بعد عامين تقريباً، سيكون لديه فائض سنوي مقداره 1200 دينار (وهو الفائض السابق 300 دينار مضافاً إليه 900 دينار التي كانت مخصصة لسداد قرض السيارة). وبعد أن ينتهي من قرض أخيه بعد حوالي 3 سنوات، سيتمكن من توفير 600 دينار إضافية، أي 1800 دينار سنوياً.
لقد تعرّف عامر على وضعه المالي الحالي بوضوح، واستطاع أن يحدد ما عليه فعله بناءً على قائمتين بسيطتين: الأولى ميزانيته الشخصية والثانية قائمة دخله ونفقاته.
3- تحديد البدائل وتقييمها
ستحديد البدائل يعني معرفة الخيارات المتاحة التي تساعدك في تحقيق أهدافك. من بين هذه الخيارات: تقليل النفقات أو زيادة الدخل. عند تقييم هذه البدائل، يجب النظر إلى التكاليف والفوائد المرتبطة بكل خيار، بالإضافة إلى المخاطر التي قد تواجهها. بالطبع ستؤثر خصائص وضعك المعيشي مثل هيكل الأسرة، والعمر، والمهنة، والوضع الصحي، وكذلك الوضع الاقتصادي العام على اختياراتك.
في حالة عامر، يمكنه تقليل نفقاته أو البحث عن وظيفة إضافية لزيادة دخله. قد يجد أن تقليل النفقات ليس خياراً متاحاً له، بينما يمكنه العمل بدوام جزئي لزيادة دخله. ولكن يجب عليه تقييم المخاطر المحتملة، فمثلاً العمل في وظيفة ثانية قد يزيد من ضغطه ويقلل من وقته للراحة. كما أن الاقتصاد قد يكون في حالة ركود، مما يجعل العثور على وظيفة إضافية صعباً.
4- اتخاذ القرار
بمجرد تحديد البدائل وتقييمها، يجب اتخاذ قرار بناءً على التقييم الشامل. إذا كان عامر يفكر في زيادة دخله، فإن خيار العمل بدوام جزئي يبدو الأكثر منطقية، حيث يمكنه زيادة فائض ميزانيته، على الرغم من التكلفة المتمثلة في تقليل وقت الفراغ.
بالمقابل، لو اختار عامر بديلًا محفوفًا بالمخاطر مثل الدخول في استثمارات عالية الخطورة مثل العملات الرقمية لزيادة دخله بسرعة، فقد يخسر كل أمواله التي ادخرها، أو قد يجد نفسه يعاني من ديون إضافية إذا لم يحقق النجاح المتوقع. لذلك، من الضروري أن تكون قرارات التخطيط المالي مدروسة ومستندة إلى تقييم سليم للمخاطر والفوائد.
5- تقييم الوضع الجديد وإعادة التخطيط
بمجرد اتخاذ القرار وتنفيذه، يجب تقييم النتائج بشكل دوري. إذا حقق عامر زيادة في دخله من خلال الوظيفة الثانية، يمكنه إعادة تقييم خططه المالية واستكشاف فرص جديدة مثل استثمار الفائض المتاح لزيادة أصوله.
المرونة في التخطيط المالي ضرورية، حيث تتغير الظروف بمرور الوقت. قد تتغير الأهداف أو تظهر فرص جديدة، مما يستدعي مراجعة الخطة وتعديلها وفقاً للوضع الجديد. فالتخطيط المالي ليس عملية ثابتة، بل هو سلسلة مستمرة من التقييم واتخاذ القرارات التي تعزز من فرص تحقيق الأهداف المالية على المدى الطويل.
6- مخاطر التخطيط المالي
التخطيط المالي ليس خالياً من المخاطر. هناك دائماً احتمالية حدوث تغييرات غير متوقعة، مثل فقدان الوظيفة أو انخفاض في العوائد الاستثمارية. لذلك، من المهم تضمين خيارات احتياطية في الخطة لتقليل تأثير الصدمات المالية.
على سبيل المثال، يمكن لعامر أن يحتفظ بصندوق طوارئ يغطي نفقاته لعدة أشهر في حال تعرض لانخفاض غير متوقع في دخله. هذا النوع من التحوط يساعد في تقليل المخاطر المالية وضمان استقرار الخطة المالية.
وبالمجمل، فإن التخطيط المالي هو عملية متكاملة تتطلب تحديد أهداف واضحة، وتقييم الوضع الحالي، واستكشاف البدائل المتاحة، واتخاذ قرارات مدروسة وتقييم المخاطر المحتملة. وهذا يمكنك من تحقيق أهدافك المالية سواء كانت قصيرة أو طويلة الأجل. ويجب أن يكون التخطيط المالي مرناً بما يكفي للتكيف مع التغييرات، وثابتاً بما يكفي لتحقيق الأهداف على المدى البعيد.